الضفة الغربية - PNN - مع الارتفاع المتسارع في اعتداءات المستوطنين الفاشية على القرى والتجمعات الفلسطينية في مختلف مناطق الضفة الغربية المحتلة، تتبلور بصورة أوضح ملامح الإرهاب اليهودي المنظّم الذي تمارسه مجموعات المستوطنين، وعلى رأسها ما يعرف بـ "شبيبة التلال"، إلى جانب مستوطنين قادمين من مستعمرات الضفة ومن داخل الخط الأخضر. وتعمل هذه الجماعات ضمن مثلث القمع الإسرائيلي المكوّن من الجيش والشرطة والمستوطنين، باعتبارهم الذراع التنفيذية غير الرسمية لـ "خطة الحسم" التي وضعها وزير المالية الإسرائيلي بتسلئيل سموترتش، والتي تقوم على السيطرة على الأرض بعد "تنظيفها" من سكانها الفلسطينيين.هذا الدور، الذي يتزايد وضوحه ميدانيًا، يشكّل امتدادًا لتطبيق منهجي لـ الإرهاب كأداة دولة، يمارسه الجيش والشرطة والمستوطنون على حدّ سواء. وفي مقالة للكاتبة الإسرائيلية إيلانه همرمان بعنوان "أرض تعج بالإرهاب"، تشير إلى أن البؤر الاستيطانية في جنوب جبال الخليل تحوّلت إلى "أوكار إرهاب" مثل: حفات معون، سوسيا، حفات يسسخار وغيرها، حيث تخرج قطعان المستوطنين ومواشيهم نحو أراضي الفلسطينيين لطرد رعاتهم بالقوة، بينما يقتحم آخرون الخيام وحظائر الأغنام مستخدمين الجرّارات، ويلحقون دمارًا كبيرًا بممتلكات الأهالي.لكن اعتداءات المستوطنين لا تقتصر على جنوب الخليل وغور الأردن، بل تمتد إلى القرى الفلسطينية الكبرى في حوارة، ترمسعيا، الخضر، المغير، بروقين وغيرها، حيث تتكرر الهجمات المنظمة التي تشارك فيها عشرات بل مئات المستوطنين المسلحين بالأسلحة النارية والأدوات الحادة، يتم ذلك غالبًا تحت أنظار الجيش الإسرائيلي وحمايته، ويتخلل هذه الهجمات حرق منازل ومركبات ومحاصيل تعود للمواطنين.المقاربات التاريخية التي تُجرى حول هذا العنف ليست جديدة. إذ شبّه الكاتب الإسرائيلي عوديد هيلبرنر هذه الاعتداءات بما شهدته أوروبا الشرقية قبل وبعد الحرب العالمية الأولى، حين عملت ميليشيات ألمانية مسلحة تُعرف بـ "الوحدات الحرة" تحت مراقبة حكومة "فايمر" الديمقراطية، وأحيانًا بدعمها، لتشكّل لاحقًا أحد أعمدة القومية الألمانية المتطرفة التي بلغت ذروتها في النازية. وقد احتل الصراع الزراعي – الفلاحي موقعًا مركزيًا في الأيديولوجيا النازية، فيما تحوّل شعار "الدم والأرض" إلى أحد رموزها.ويرى هيلبرنر أن هذه الأفكار تظهر بوضوح في الصهيونية الدينية عبر تقديس القوة والأرض، وتبنّي فكرة الحق المطلق لليهود على الأرض وتجاهل الوجود الفلسطيني، والانطلاق من قناعة تتيح فرض هذه الرؤية بالقوة. وعلى هذه الركائز نشأت مجموعات "شبيبة التلال" التي تُحاكي في أيديولوجيتها وتنظيمها مجموعات متطرفة في أوروبا قبل صعود النازية.في السياق ذاته، تساءل الصحفي الإسرائيلي أوري مسجاف في "هآرتس" حول طبيعة الجدل الدائر في الإعلام الإسرائيلي اليوم، وذلك بعد استضافة مصوّر تعرّض للضرب على يد مستوطنين أثناء مساعدته فلسطينيين في قطف الزيتون. وقد انقسم المشاركون في البرنامج بين مؤيّد ومعارض للاعتداء، ما دفع مسجاف إلى تساؤل حاد:هل كانت القنوات الألمانية في ثلاثينيات القرن الماضي، لو وُجدت آنذاك، ستُظهر هذا القدر من الجبن والميوعة الأخلاقية؟ وهل كان الإعلام سيسأل ضحايا النازية عن مواقفهم السياسية، أو يسأل اليهود بعد "ليلة البلور" إن كانوا "محرّضين"؟هذه المقارنات، التي تتكرر في الخطاب الإسرائيلي نفسه، تشير بوضوح إلى تحوّل المستوطنين من ذراع مسانِدة إلى رأس حربة في مشروع سياسي أوسع، تتبناه حكومة اليمين الاستيطاني بقيادة بنيامين نتنياهو، ويستهدف إعادة صياغة الواقع الجغرافي والديمغرافي في الضفة الغربية بالقوة، عبر اقتلاع الوجود الفلسطيني وتكريس سيطرة المستوطنات